من هنا

الرئيسية » » التحذير من التعامل بالربا

التحذير من التعامل بالربا



في التحذير من التعامل بالربا



الحمد لله الذي أحلَّ لنا البيع، وحرَّم الربا، وأباح لنا المكاسب الطيِّبة، وحرَّم علينا خبيثَها، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله أزكى الخليقة معاملة، وأتقاها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المهتدين بهديه في عباداتهم، ومعاملاتهم، والمنقادين لأوامره وتوجيهاته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.



أمَّا بعدُ:

فيا أيها الناس، اتَّقوا الله -تعالى- واحذَرُوا أسباب سخطه وعقابه، واعلموا أنَّ التعامُل في الربا سببٌ لحرب الله واللعنة، وهو من كَبائر الذنوب وأبشعها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الربا ثلاثٌ وسبعون بابًا، أيسرها مثل أنْ ينكح الرجل أمَّه))[1].



وفي صحيح مسلم عن جابر - رضِي الله عنه - قال: ((لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سَواء))[2]؛ يعني: في الإثم.



فيا عباد الله:

احذَرُوا من التعامُل في الربا، والتحيُّل عليه بأيِّ نوعٍ كان من أنواع الحِيَل، واعلَمُوا أنَّ الشيطان عدوُّ بني آدم، قد فتح على كثيرٍ من الناس أبوابَ التحيُّل على محارم الله، كما فتحها على اليهود وغيرهم، والحِيلة هي أنْ يتوصَّل الإنسان إلى المحرَّم بشيءٍ صُورته صُورة المباح.



وقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمَّته من التحيُّل على المحرَّمات فقال: ((لا ترتَكِبوا ما ارتَكبت اليهود فتستحلُّوا محارم الله بأدنى الحِيَل))[3].



وقال بعض السَّلَف في المتحايلين: إنَّهم يخادعون الله كما يخادعون صبيًّا، ولو أتوا الأمر عيانًا كان أهون عليهم، والحيلة على المحرَّم لا ترفع التحريم، وإنما هي فعلٌ للمحرم مع زيادة المكر والخداع لله ربِّ العالمين، الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفِي الصدور.



ومن صور التحيُّل على الربا:

ما يفعله كثيرٌ من الناس في المداينة، وهي أنْ ينفق الدائن والمدين أولًا على المعاشرة، فيتَّفِق معه على الدراهم، فعندما يحضر المدين للدائن وهو يريد نقودًا يقول الدائن: أعطيك العشر اثني عشر، أو أكثر مثلًا مدَّة كذا، فهذا اتفاقٌ ظاهر على أنَّ عشرة الريالات باثني عشر ريالًا، فإذا اتَّفقا على ذلك، وانتهى الاتِّفاق على ربح الدراهم ذهبَا إلى الحيلة التي يريدان بها إحلال هذا المحرم، فيذهب الدائن إلى صاحب مال أو يكتب لصاحبٍ له ليشتري مالًا بمبلغ كذا، فيشتريه هو أو وكيله دون أنْ يقلبه أو يُفكِّر في صلاحه أو خرابه، أو وفائه أو نقصه، حيث يعلم أنَّ هذا المدين الضعيف المضطر سيأخذه بعلَّاته، فإذا اشتراه هذا المشتري الصوري سلَّمَه للمدين على حسب ما اتَّفقا عليه أولًا من المعاشرة، والدليل على أنَّ شراء الدائن صُوريًّا أنَّه إنما اشتراه بعد ما اتَّفق مع المدين على المعاشرة، وهي ربح النقود، وأنَّه اشتَراه للمدين لا لنفسه حقيقةً، فلو اشتراه لنفسه لقَبِلَه وفكَّر فيه حاوَل النزول في القيمة كما يفعل إذا عرف أنَّه سيبقى على نصيبه مدَّة، كما أنَّه لو لم يقبَلْه المدين بعد أنْ يشتريه الدائن لحصل الخِصام والنزاع بينهما، ولرأيت الدائن يَلُوم المدين على عدم قبوله، ويقول له: غريتني، وأنا لم أشتره إلا من أجلك، والحقيقة أنَّه اشتراه من أجل الحيلة على الربا لا من أجل مصلحة هذا المدين الضعيف المضطر.



ومن ذلك قلب الدَّين على المعسر، وهو ربا الجاهلية الذي حرَّم الله؛ وذلك أنَّهم كانوا إذا حلَّ الدَّين على المدين قالوا: إمَّا أنْ تَفِي أو تُربِي، فإذا لم يفِ المدين زاد الدائن في المدة، وزاد المدين في الدراهم حتى يتضاعف القليل على المدين، ويُرهِقه، فربما بلغ الألف عشرة آلاف، فأصبح الضحيَّة هو الضعيف، وقد أمر الله بإنظار المعسر؛ قال -تعالى-: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾ [البقرة: 280]، ولكن التاجر في مثل هذه الحال قد يحتال، فيرغم المدين على الاستدانة منه ليوفيه الطلب الأول، أو يستدين من غيره ليوفيه ما حلَّ أجلُه.



فيا عباد الله:

اتَّقوا الله، واحذَروا من المعاملة الربويَّة؛ فإنَّها فسادٌ في الدِّين والدنيا، وفساد في المجتمعات، واستغلال مبنيٌّ على الطمع والجشع والشحِّ، وفيما أحلَّ الله لكم من البيوع غُنيَة عمَّا حرَّم الله عليكم، ومهما زادَ المال صُورةً بالربا فمآلُه للمحْق والخُسران؛ دنيا وأخرى؛ قال الله -تعالى-: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].



واحذروا من التحايُل على الربا، واعلَموا أنَّ المداينة بهذا البيع الصوري الذي يعلم الله - جلَّ وعلا - ويعلم المتعاقدان أنفسهما أنهما لم يريدا حقيقةَ البيع والشراء، وإنما أرادا دراهم بدراهم؛ فالدائن أراد الربح والمدين أراد الدراهم، وادخلا العقد الصوري بينهما.



اعلَموا أنَّ هذه المداينة تشتمل على عدَّة محاذير:

• منها التحايُل على المحرَّم، وخِداع الله، والحيلة لا تُغنِي شيئًا؛ فإنَّ الله يرى ويعلم خائنة الأعيُن وما تخفي الصدور.



• ومنها أنَّ هذه المعاملة توجب قسوة القلب، والتمادِي في الباطل؛ فلا يرحم الغني أخاه الضعيف، ولا ينظر إلى حاله، ولا يفكر في أنَّ الذي أغناه وأفقر هذا قادرٌ على أنْ يفقره ويغني هذا، ولا يتذكَّر أنَّ المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضه بعضًا، وأنَّ المؤمنين في توادِّهم وتعاطُفِهم كالجسد الواحد.



• ومنها أنَّ في هذه المعاملة السيِّئة معصية لله ورسوله، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع السِّلَع حتى تُنقَل؛ قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((كان الناس يتبايَعُون الطعام جُزافًا بأعلى السوق، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ يبيعوه حتى ينقلوه))[4]؛ رواه البخاري.



وعن زيد بن ثابت - رضِي الله عنه -: ((أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أنْ تُباع السِّلَع حيث تبتاع حتى يحوزها التجَّار إلى رِحالهم))[5].



ومن الربا الصريح والواضح الفاضح ما تتعامَل به بعض البنوك من دفْع نقودٍ لبعض الناس بأرباحٍ معيَّنة تُدفَع بعد مُضِيِّ أوقاتٍ محدَّدة، وما يفعله بعض الناس من إيداع نقود لدَيْها يأخذ عليها أرباحًا مُعيَّنة، فكلُّ ذلك ربا صريح، قد عرَّض المتعاملون به والقائمون عليه والمشتركون فيه أنفسهم لسخط الله ومحاربته ولعنته؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لعن الله آكِلَ الربا وموكله))[6]؛ رواه مسلم والترمذي وزاد: ((وشاهديه وكاتبه)).



فاتَّقوا الله عباد الله، واحذَروا من الوُقوع فيما يسخط الله، وتعلَّموا من الأحكام ما به تَعرِفون الحلال من الحرام.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278-281].



بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.



أقول هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.


[1] مستدرك الحاكم: (2/37).

[2] مسلم: [106 - (1598)].

[3] أخرجه الشيخ العلامة محمد بن ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل: (1535).

[4] البخاري: (2167) - الفتح: (4/439) بمعناه.

[5] أبو داود (3499).

[6] مسلم: [105 - (1598)].

التحذير من التعامل بالربا
100 out of 100 based on 100 ratings. 100 user reviews.

0 التعليقات :

إرسال تعليق

مواضيع دات صلة

مواضيع دات صلة
 
إدارة الموقع : إعلن هنا | إعلن هنا | إعلن هنا
جميع الحقوق محفوظة © 2013. kolchi
تعريب وتطوير موقع سيو صح