بعد عدة أشهر من التردد ، أعلن رئيس الحكومة الكاطالونية ارتور ماس في 12 دجنبر الجاري عن تنظيم استفتاء حول استقلال إقليم كاطالونيا في 9 نونبر 2014 ، الذي يصادف الذكرى السنوية 25 لسقوط جدار برلين.
وقد خلف هذا الإعلان ردود فعل واسعة في صفوف الطبقة السياسية الاسبانية وخاصة الحكومة المركزية في مدريد التي استنكرته واعتبرته مخالفا للدستور .
ويتضمن هذا الاستفتاء، الذي أعلن عنه بعد عدة شهور من المفاوضات بين الأحزاب المشكلة لحكومة كاطالونيا سؤالين إثنين، الأول .. " هل ترغب في أن تكون كاطالونيا دولة¿"، والثاني "هل تريد أن تكون هذه الدولة مستقلة¿".
وكانت الطبيعة المباشرة والمستفزة للسؤالين وراء الغضب الشديد للحكومة المركزية التي
ردت بسرعة وصرامة على هذا الإجراء.
وقال رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي " أريد أن أكون واضحا، إن هذا الاستفتاء لن يتم إجراؤه ولن يحدث أبدا "، وانه " خارج أي نقاش وأي مفاوضات"، رافضا بشدة مبادرة قادة كاطالونيا التي وصفها بأنها "غير دستورية تماما".
وتجسدت اللهجة الصارمة التي رد بها راخوي على هذا الإعلان، أيضا، في مواقف عدد من أعضاء حكومته، الذين أكدوا إجماع الفريق الحكومي على مواجهة هذه القضية التي تمس، بحسب مدريد، بوحدة وسيادة الشعب الإسباني.
وفي هذا الصدد، أدان وزير الداخلية خورخي فرنانديز دياز إعلان ماس وحلفاءه تنظيم هذا الاستفتاء، معتبرا إياه " خطأ تاريخيا، ومواجهة اجتماعية لم يسبق لها مثيل في كاطالونيا".
وبدوره ، أكد وزير العدل ألبرتو رويز غالاردون، أن " التصويت لن يتم لأن الدستور لا يسمح لأي إقليم يتمتع بالحكم الذاتي بتصويت أو استفتاء على قضايا تهم السيادة الوطنية ".
من جهتها ، اعتبرت أحزاب المعارضة، ومنها الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، أن هذا الاستفتاء "غير قانوني". بحيث أوضح زعيم الحزب ألفريدو روبالكابا، أن هذا الإعلان "تحد يقود مباشرة إلى النفق المسدود".
ويعتبر عدد من السياسيين والمؤرخين أن الإعلان عن تنظيم استفتاء للانفصال على الوطن الأم إسبانيا هو نتيجة خلاف ، يمتد الى سنوات خلت، بين مدريد والقوميين الكاطالونيين، زادته حدة تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يشهدها الإقليم منذ خمس سنوات، ورفض مدريد مقترح " الميثاق المالي" الذي قدمته حكومة كاطالونيا، والذي يمنح نوعا من الاستقلال المالي لهذه الجهة التي يبلغ تعداد سكانها 7,5 مليون نسمة.
ويرى المهتمون بالشأن الاسباني كذلك، أن الخلافات بين المركز والإقليم مكنت بعض زعماء الحركات الانفصالية بكاطالونيا من استغلال ظروف الأزمة وتداعيات برامج التقشف ، و تفاقم البطالة بالإضافة إلى تزايد الاستياء من الأحزاب التقليدية للترويج لفكرة الاستقلال عن إسبانيا، لاسيما وأن إقليمهم يعتبر الأقوى اقتصاديا، إذ أن كاطالونيا لوحدها ضمن17إقليم ومنطقة في إسبانيا تساهم بأكثر من21 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في إسبانيا.
ويطالب القوميون في كاطالونيا بالتحكم والتصرف في إيرادات الضرائب، وكذلك باعتراف الحكومة المركزية الفعلي بوجود " أمة كاطالونية " لها هويتها التاريخية والثقافية. بل ويذهب البعض الى القول بأن إقليمهم يعتبر أقوى من أكثر من اثنى عشر بلدا من بلدان الاتحاد الاوروبي، ذلك ان مساحة الإقليم تقارن بمساحة بلجيكا وهولندا، وعدد سكانه أكثر من عدد سكان 12 بلدا من بلدان الاتحاد الأوربي، كما أن معدل دخله الفردي يحتل المرتبة السابعة إذا تمت مقارنته ببقية بلدان الاتحاد.
لكن مقابل المواقف الداعية الى الاستقلال عن إسبانيا، يرى العديد أن فكرة الاستقلال ستجر الأزمات على المنطقة، حيث يرسمون صورة قاتمة لما يمكن أن تصبح عليه الأمور في حال الانفصال، إذ يتوقعون انهيار الناتج الداخلي الخام بالمنطقة بنسبة قد تصل الى 50 في المائة ، كما قد يسجل "هروب" لرؤوس الاموال والشركات الكبرى، وزيادة العجز الداخلي، وربما الخروج من منطقة الأورو وحرمان الإقليم من المساعدات التي يمنحها الاتحاد الاوروبي.
وبين التحالف الكاطالوني الداعي الى استقلال الاقليم وموقف الحكومة المركزية في مدريد الرافضة لمناقشة أي مشروع يمس بسيادة البلاد يقف الحزب الاشتراكي الكاطالوني والوطني على السواء ، في موقف وسط يحاول التقريب بين الطرفين باقتراح الحل الفدرالي المتمثل في الحفاظ على وحدة الدولة، وبانتقالها من دولة جهات للتسيير الذاتي، إلى فدرالية تتمتع فيها الاقاليم بالمزيد من الاستقلالية في مجالات عدة من الحكم والتدبير.
وحول إمكانية تنظيم هذا الاستفتاء، يقول جوردي بيريز أستاذ التاريخ المعاصر بإحدى جامعات برشلونة، إن إجراء استفتاء لتقرير مستقبل كاطالونيا لن يتم على الارجح في تاريخ 9 نونبر القادم، وأن مسلسل الانفصال عن اسبانيا سيدوم سنوات بل وعقود وقد لا يتحقق في النهاية.
وأضاف جوردي بيريز ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء، ان رئيس الحكومة الكاطالونية ارتور ماس وحلفاءه سقطوا في فخ الوعود الانتخابية وأن " اللعبة" التي كانت موجهة للاستهلاك "الانتخابوي" أصبحت " حقيقة لكن مرة " من الصعب تجاوزها.
وأوضح أن جميع المؤشرات توحي بأن السلطة المركزية بمدريد ستستعمل كل الوسائل السياسية والقانونية من أجل إفشال المشروع الانفصالي لحكومة ماس بما في ذلك اللجوء إلى المحكمة العليا التي يدين أعضاؤها بالولاء التام للنظام الاسباني.
أما انخيلا رودريغيز الصحافية المستقلة والمراسلة لعدة مجلات محلية، فقد أكدت في تصريح مماثل، أن مبادرة تنظيم استفتاء لتقرير مصير كاطالونيا بدأت خلال السنوات الاخيرة كعملية " ابتزاز سياسي واقتصادي " للحكومة المركزية خاصة بعد أن اشتدت وطأة الأزمة الاقتصادية في الاقليم ، الا انه مع مرور الوقت أصبحت " عقيدة سياسية " لعدد من الاحزاب السياسية والجمعيات المدنية المحلية.
وأضافت رودريغيز أن الوضعية السياسية في الاقليم دخلت الى النفق المسدود ويتعين الجلوس حول طاولة المفاوضات لايجاد حل يرضي جميع الاطراف.
واقترحت في هذا السياق إجراء تعديل على دستور 1978 الجاري به العمل حاليا يمنح الاقاليم اختصاصات أكبر بالموازاة مع إجراء إصلاحات اقتصادية عميقة من شأنها إخراج إسبانيا من أزمتها وإرجاع ثقة الشعب في مؤسساته الدستورية.
وأشارت الى أن أغلب المؤيدين لانفصال كاطالونيا يعبرون عن ذلك ليس عن قناعة بل بسبب سخطهم على الاوضاع وفقدانهم الثقة في الحكومات المتعاقبة والمؤسسات التي يعتبرونها فاسدة خاصة بعد سلسلة الفضائح المالية التي عرفتها البلاد مؤخرا.
وخلصت الى القول بان مصلحة كاطالونيا وساكنتها ليست في إجراء استفتاء، قد يأتي أو لن يأتي أبدا، بل في فتح نقاش عميق بين جميع الفاعلين يتمحور حول مشروع مجتمعي جديد يخرج الإقليم من أزمته الاقتصادية ويفتح أفاقا جديدة تستجيب لطموحات الأجيال الجديدة .
استقلال كاطالونيا .. بين حماس وإصرار القوميّين ورفض حكومة مدريد
100 out of 100 based on 100 ratings. 100 user reviews.
100 out of 100 based on 100 ratings. 100 user reviews.
0 التعليقات :
إرسال تعليق